كُنت بحكم عملي أعود لمنزلي في وقت متأخر جداً, وقد أعتدت على منظر كنت أشاهده يومياً. فقد كنتُ دائماً أرى طفلة صغيرة تلعب وحيدة تحت عامود الإنارة في الحي.
لم أستطع التحمل أكثر, ذهبتُ إليها في احدى الأيام وتحدثت إليها, أخبرتني أنها فتاة فقيرة ويتيمة الأب, تعيش مع أمها وأخوتها في منزلهم الضيق.
أحببتُ تلك الفتاة, كانت لا تتجاوز الست سنوات من عمرها, تعلقتُ بها, أحببتُ مجالستها. كنتُ في كل ليلة أثناء عودتي أُحضر لها الألعاب والحلويات, كم كانت سعادتي بالغة حين أرى الإبتسامة الجميلة على شفتيها.
وفي إحدى الأيام أضطررت إلى أن أتغيب أسبوعين عنها لأنني ذهبتُ للعمل في مدينة أخرى. و حين أنتهيت عدتُ وأنا أتلهف لرؤيتها.
ذهبتُ لمكانها المعتاد فلم أجدها, إنتظرتها حتى اليوم التالي ولكنها لم تأتي. عندها ذهبتُ لمنزلها بعد أن دلتني عليه في احدى الأيام.
قابلني أخوها الصفير وهو يصرخ ( إنه هو!!! ) تعجبتُ منه.. حينها أتت والدتها و قالت ( أجل والله, إنه هو, إنه يبدو تماماً كما وصفته ابنتي ). وحين سألتها, أخبرتني بخبر لم أستطع تحمله. قالت إن ابنتها أُصيبت بالحمى ولضيق ذات يدهم لم تستطع معالجتها, فماتت.
يا الله ما أقسى هذا الخبر, لم أستطع التحمل فاعتذرت من والدتها بالإنصراف. ولكنها أعطتني شيئاً صغيراً وهي تقول ( لقد أوصتني ابنتي بأن أسلمك هذه عندما تأتي إلى هنا ).
مضيتُ بعدها كالمجنون لا أعلم أين سأذهب, وحين تذكرت الهدية فتحتها وإذا بي أرى شيئاً لم أكن أتوقعه. فقد تذكرت أنها طلبت مني في يوم من الأيام أن أحضر لي معها عدةً للتطريز لأنها تحب هذه الهواية. و قد طلبت مني يوماً أن أعلمها كيف تكتب كلمة ( أحبك ).
وقد كانت هديتها لي عبارة عن قطعة قماش طرزت فيها كلمة ( أحبك ), وقد كان بها بضع قطرات من الدم. حينها تذكرت أنه في آخر لقاء لي بها كانت تضع ضمادة على أصبعها, حينها أدركتُ أنها جرحت نفسها عندما كانت تطرز لي تلك الهدية...
رحمك الله أيتها الطفلة الغالية..